قصة الشيخ محمد حسن السريرة

اللقاء بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
الحكاية الخامسة عشر : (قصة الشيخ محمد حسن السريرة)
المصدر: كتاب جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة

الحكاية الخامسة عشرة حدث الشيخ الفاضل العالم الثقة الشيخ باقر الكاظمي المجاور في النجف الاشرف آل الشيخ طالب نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي قال: كان في النجف الاشرف رجل مؤمن يسمى الشيخ محمد حسن السريرة، وكان في سلك أهل العلم ذا نية صادقة، وكان معه مرض السعال إذاسعل يخرج من صدره مع الاخلاط دم، وكان مع ذلك في غاية الفقر والاحتياج، لا يملك قوت يومه، وكان يخرج في أغلب أوقاته إلى البادية إلى الاعراب الذين في أطراف النجف الاشرف، ليحصل له قوت ولو شعير، وما كان يتيسر ذلك على وجه يكفيه، مع شدة رجائه، وكان مع ذلك قد تعلق قلبه بتزويج امرأة من أهل النجف، وكان يطلبها من أهلها وما أجابوه إلى ذلك لقلة ذات يده، وكان في هم وغم شديد من جهة ابتلائه بذلك.

فلما اشتد به الفقر والمرض، وايس من تزويج البنت، عزم على ماهو معروف عند أهل النجف من أنه من اصابه أمر فواظب الرواح إلى المسجد الكوفة أربعين ليلة الاربعاء، فلا بد أن يرى صاحب الامر عجل الله فرجه من حيث لا يعلم ويقضي له مراده.
قال الشيخ باقر قدس سره: قال الشيخ محمد: فواظبت على ذلك أربعين ليلة بالاربعاء فلما كانت الليلة الاخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة، وقد هبت ريح عاصفة، فيها قليل من المطر، وأنا جالس في الدكة التي هي داخل في باب المسجد وكانت الدكة الشرقية المقابلة للباب الاول تكون على الطرف الايسر، عند دخول المسجد، ولا أتمكن الدخول في المسجد من جهة سعال الدم، ولا يمكن قذفه في المسجد وليس معي شئ أتقي فيه عن البرد، وقد ضاق صدري، واشتد علي همي وغمي، وضاقت الدنيا في عيني، وأفكر أن الليالي قد انقضت، وهذه آخرها، وما رأيت أحدا ولا ظهر لي شئ، وقد تعبت هذا التعب العظيم، وتحملت المشاق والخوف في أربعين ليلة، أجبئ فيها من النجف إلى مسجد الكوفة، ويكون لي الاياس من ذلك.
فبينما أنا أفكر في ذلك، وليس في المسجد أحد أبدا وقد أوقدت نارا لاسخن عليها قهوة جئت بها من النجف، لا أتمكن من تركها لتعودي بها، وكانت قليلة جدا إذا بشخص من جهة الباب الاول متوجها إلي فلما نظرته من بعيد تكدرت وقلت في نفسي: هذا أعرابي من أطراف المسجد، قد جاء إلي ليشرب من القهوة و؟ بلا قهوة في هذا الليل المظلم، ويزيد علي همي وغمي.
فبينما أنا؟ إذا به قد وصل إلي وسلم علي باسمي وجلس في مقابلي فتعجبت من معرفته اسمي، وظننته من الذين أخرج إليهم في بعض الاوقات من أطراف النجف الاشرف فصرت أسأله من اي العرب يكون؟ قال: من بعض العرب فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف، فيقول: لا لا، وكلما ذكرت له طائفة قال: لا لست منها.
فأغضبني وقلت له: أجل أنت من طريطرة مستهزءا وهو لفظ بلا معنى، فتبسم من قولي ذلك وقال: لا عليك من أينما كنت ما الذي جاء بك إلى هنا فقلت: وأنت ما عليك السؤال عن هذه الامور؟ فقال: ما ضرك لو أخبرتني فتعجبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه، فمال قلبي إليه، وصار كلما تكلم ازداد حبي له، فعملت له السبيل من التتن، وأعطيته، فقال: أنت أشرب فأنا ما اشرب، وصببت له في الفنجان قهوة وأعطيته، فأخذه وشرب شيئا قليلا منه، ثم ناولني الباقي وقال: أنت اشربه فأخذته وشربته، ولم ألتفت إلى عدم شربه تمام الفنجان، ولكن يزداد حبي له آنا فآنا.
فقلت له: يا أخي أنت قد أرسلك الله إلي في هذه الليلة تأنسني أفلا تروح معي إلى أن نجلس في حضرة مسلم (عليه السلام)، ونتحدث؟ فقال: أروح معك فحدث حديثك.
فقلت له: أحكي لك الواقع أنا في غاية الفقر والحاجة، مذ شعرت على نفسي ومع ذلك، معي سعال أتنخع الدم، وأقذفه من صدري منذ سنين، ولا أعرف علاجه وما عندي زوجة، وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلتنا في النجف الاشرف، ومن جهة قلة ما في اليد ما تيسر لي أخذها.
وقد غرني هؤلاء الملائية (1) وقالوا لي: اقصد في حوائجك صاحب الزمان وبت اربعين ليلة الاربعاء في مسجد الكوفة، فانك تراه، ويقضي لك حاجتك وهذه آخر ليلة من الاربعين، وما رأيت فيها شيئا وقد تحملت هذه المشاق في هذه الليالي فهذا الذي جار بي هنا، وهذه حوائجي.
فقال لي وأنا غافل غير ملتفت: أما صدرك فقد برأ، وأما الامرأة فتأخذها عن قريب، وأما فقرك فيبقى على حاله حتى تموت، وأنا غير ملتفت إلى هذا البيان أبدا.
فقلت: ألا تروح إلى حضرة مسلم؟ قال: قم، فقمت وتوجه أمامي، فلما وردنا أرض المسجد فقال: ألا تصلي صلاة تحية المسجد، فقلت: أفعل، فوقف هو قريبا من الشاخص الموضوع في المسجد، وأنا خلفه بفاصلة، فأحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.
فبينما أنا أقرء وإذا يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحدا يقرأ مثلها أبدا فمن حسن قراءته قلت في نفسي: لعله هذا هو صاحب الزمان وذكرت بعض كلمات له تدل على ذلك ثم نظرت إليه بعد ما خطر في قلبي ذلك، وهو في الصلاة، وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف، وهو مع ذلك يصلي وأنا اسمع قراءته، وقد ارتعدت فرائصي، ولا أستطيع قطع الصلاة خوفا منه فأكملتها على اي وجه كان، وقد علا النور من وجه الارض، فصرت أندبه وأبكي وأتضجر وأعتذر من سوء ادبي معه في باب المسجد، وقلت له: أنت صادق الوعد، وقد وعدتني الرواح معي إلى مسلم.
فبينما أنا أكلم النور، وإذا بالنور قد توجه إلى جهة المسلم، فتبعته فدخل النور الحضرة، وصار في جو القبة، ولم يزل على ذلك ولم أزل أندبه وأبكي حتى إذا طلع الفجر، عرج النور.
فلما كان الصباح التفت إلى قوله: أما صدرك فقد برأ، وإذا أنا صحيح الصدر، وليس معي سعال أبدا وما مضى اسبوع إلا وسهل الله على أخذ البنت من حيث لا أحتسب، وبقي فقري على ما كان كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.
………………………………………….
(1) من اصطلاحات أهل العراق.

 

شارك هذه:

ألقي نظرة أيضا على:

مكاشفة ثانية للسيد بحر العلوم قدس سره

اللقاء بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الحكاية الحادية عشر : (مكاشفة ثانية للسيد …