اللقاء بالإمام المهدي ع – الحكاية الثانية عشرة: في مناظرة رجل من الشيعة مع رجل من أهل السنة

 قال العالم الفاضل الخبير الميرزا عبد الله الاصفهاني تلميذ العلامة المجلسي (رحمه الله) في الفصل الثاني من خاتمة القسم الأوّل من كتاب رياض العلماء: الشيخ أبو القاسم بن محمّد بن أبي القاسم الحاسمي الفاضل العالم الكامل المعروف بالحاسمي… وكان من أكابر مشائخ أصحابنا، والظاهر انّه من قدماء الأصحاب…

قال الأمير السيد حسين العاملي المعروف بالمجتهد المعاصر للسلطان شاه عباس الماضي الصفوي في أواخر رسالته المعمولة في أحوال أهل الخلاف في النشأتين عند ذكر بعض المناظرات الواقعة بن الشيعة وأهل السنة هكذا:

وثانيهما حكاية غريبة وقعت في بلدة طيبة همذان بين شيعي اثني عشري وبين سني، رأيت في كتاب قديم يحتمل أن يمضي من تاريخ كتابته ثلاثمائة سنة نظراً إلى العادة، وكان المسطور في الكتاب المذكور انّه وقع بين بعض من علماء الشيعة الاثني عشرية اسمه أبو القاسم بن محمّد بن أبي القاسم الحاسمي، وبين بعض من علماء أهل السنة رفيع الدين حسين مصادقة ومصاحبة قديمة ومشاركة في الأموال، ويتخالطان في أكثر الأحوال والأسفار، وكلّ واحد منهما لا يخفي مذهبه وعقيدته عن الآخر، وعلى سبيل الهزل ينسب أبو القاسم رفيع الدين إلى الناصبي، وينسب رفيع الدين أبا القاسم إلى الرافضي.

وبينهما في هذه المصاحبة لا يقع مباحثة في المذهب، إلى أن وقع الاتّفاق في مسجد بلدة طيبة همذان يسمى ذلك المسجد بالمسجد العتيق، وفي أثناء المكالمة فضّل رفيع الدين حسين أبا بكر وعمر على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وردّ أبو القاسم على رفيع الدين وفضّل عليّاً عليه السلام على أبي بكر وعمر، وأبو القاسم استدلّ على مدعاه بآيات عظيمة وأحاديث منزلة، وذكر كرامات ومقامات ومعجزات وقعت منه عليه السلام، ورفيع الدين يعكس القضية واستدلّ على تفضيل أبي بكر على عليّ عليه السلام بمخالطته ومصاحبته في الغار، ومخاطبته بخطاب الصديق الأكبر من بين المهاجرين والأنصار.

وأيضاً قال: انّ أبا بكر مخصوص من بين المهاجرين والأنصار بالمصاهرة والخلافة والإمامة، وأيضاً قال رفيع الدين: الحديثان عن النبي واقعان في شأن أبي بكر احدهما: (أنت بمنزلة القميص) الحديث، وثانيهما: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر).

وأبو القاسم الشيعي بعد استماع هذه المقال من رفيع الدين قال لرفيع الدين: لأي وجه وسبب تفضّل أبا بكر على سيد الأوصياء، وسند الأولياء، وحامل اللواء، وعلى إمام الإنس والجان، وقسيم الجنة والنار، والحال انّك تعلم انّه عليه السلام الصديق الأكبر، والفاروق الأزهر، أخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزوج البتول، وتعلم أيضاً انّه عليه السلام وقت فرار الرسول إلى الغار من الظلمة وفجرة الكفار ضاجع على فراشه، وشاركه عليّ في حال العسر والفقر.

وسد رسول الله أبواب الصحابة من المسجد الاّ بابه، وحمل عليّاً على كتفه لأجل كسر الأصنام في أوّل الإسلام، وزوّج الحق جل وعلا فاطمة بعليّ في الملأ الأعلى، وقاتل عليه السلام مع عمرو بن عبدود، وفتح خيبر، ولا أشرك بالله تعالى طرفة عين بخلاف الثلاثة، وشبه صلى الله عليه وآله وسلم علياً بالأنبياء الأربعة حيث قال: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى موسى في بطشه، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب).

ومع وجود هذه الفضائل والكمالات الظاهرة الباهرة، ومع قرابته عليه السلام للرسول وردّ الشمس له، كيف يعقل ويجوز تفضيل أبي بكر على عليّ؟

ولما سمع رفيع الدين هذه المقالة من أبي القاسم من تفضيله عليّاً عليه السلام على أبي بكر، انهدم بناء خصوصيته لأبي القاسم، وبعد اللتيا والتي قال رفيع الدين لأبي القاسم: كل رجل يجيء إلى المسجد فأيّ شيء يحكم من مذهبي أو مذهبك نطيع، ولما كان عقيدة أهل همذان على أبي القاسم ظاهراً كان خائفاً من هذا الشرط الذي وقع بينه وبين رفيع الدين، لكن لكثرة المجادلة والمباحثة قبل أبو القاسم الشرط المذكور ورضي به كرهاً.

وبعد قرار الشرط المذكور بلا فصل جاء إلى المسجد فتى ظهر من بشرته آثار الجلالة والنجابة، ومن أحواله لاح المجيء من السفر ودخل في المسجد وطاف، ولمّا جاء بعد الطواف عندهما قام رفيع الدين على كمال الاضطراب والسرعة، وبعد السلام للفتى المذكور سأله وعرض الأمور المقرر بينه وبين أبي القاسم، وبالغ مبالغة كثيرة في اظهار عقيدة الفتى، وأكّد بالقسم وأقسمه بأن يظهر عقيدته على ما هو الواقع، والفتى المذكور بلا توقّف أنشأ هذين البيتين:

متى أقل مولاي أفضل منهما أكن للذي فضّلته متنقّصاً ألم تر أن السيف يزري بحده مقالك هذا السيف أحدى من العصا ولمّا فرغ الفتى من انشاء هذين البيتين كان أبو القاسم مع رفيع الدين قد تحيّرا من فصاحته وبلاغته، ولمّا أرادا تفتيش حال الفتى غاب عن نظرهما ولم يظهر أثره، ورفيع الدين لمّا شاهد هذا الأمر الغريب العجيب ترك مذهبه الباطل، واعتقد المذهب الحق الاثني عشري. انتهت هذه الحكاية كما في تلك الرسالة، وبتلك الحكاية ختم الرسالة أيضاً.

واستظهر صاحب الرياض بعد نقل هذه الحكاية انّ ذلك الفتى هو الإمام القائم عليه السلام، والمؤيّد لهذا الكلام ما سنقوله في الباب التاسع، وامّا البيتان المذكوران فيهما وردا في كتب العلماء مع التغيير والزيادة هكذا:

يقولون لي فضّل عليّاً عليهم فلست أقول التبر أعلى من الحصا إذا أنا فضّلت الإمام عليهم اكن بالذي فضّلته متنقّصاً ألم تر انّ السيف يزري بحده مقالة هذا السيف أمضى من العصا(4) 

 

الهوامش

(4) رياض العلماء 5: 504 – 507.

 

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *