اللقاء بالإمام المهدي ع – الحكاية العشرون: حكاية أخرى للسيد بحر العلوم

 حدّثني السيد السند، والعالم المعتمد، المحقق الخبير، والمضطلع البصير، السيد عليّ سبط السيد بحر العلوم أعلى الله مقامه مصنف البرهان القاطع في شرح النافع، عن الورع التقي النقي الوفيّ الصفي السيد مرتضى صهر السيد أعلى الله مقامه على بنت أخته، وكان مصاحباً له في السفر والحضر، مواظباً لخدماته في السرّ والعلانية، قال:

كنت معه في سرّ من رأى في بعض أسفار زيارته، وكان السيد ينام في حجرة وحده، وكان لي حجرة بجنب حجرته، وكنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل والنهار، وكان يجتمع إليه الناس في أوّل الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي.

فاتّفق انّه في بعض الليالي قعد على عادته، والناس مجتمعون حوله، فرأيته كأنّه يكره الاجتماع ويحبّ الخلوة، ويتكلّم مع كلّ واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده، فتفرّق الناس ولم يبق غيري فأمرني بالخروج، فخرجت إلى حجرتي متفكّراً في حالته في تلك الليلة، فمنعني الرقاد فصبرت زماناً فخرجت متخفّياً لأتفقّد حاله، فرأيت باب حجرته مغلقاً.

فنظرت من شق الباب وإذا السراج بحاله وليس فيه أحد، فدخلت الحجرة فعرفت من وضعها انّه ما نام في تلك الليلة، فخرجت حافياً متخفياً أطلب خبره وأقفو أثره، فدخلت الصحن الشريف فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة، فتفقّدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثراً، فدخلت الصحن الأخير الذي فيه السرداب فرأيته مفتّح الأبواب.

فنزلت من الدرج حافياً متخفياً متأنّياً بحيث لا يسمع منّي حسّ ولا حركة، فسمعت همهمة من صُفّة(16) السرداب، كأنّ أحداً يتكلّم مع الآخر ولم أميّز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها، وكان دبيبي أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، فإذا بالسيد قد نادى في مكانه هناك: يا سيد مرتضى ما تصنع؟ ولم خرجت من المنزل؟

فبقت متحيّراً ساكتاً كالخشب المسندة، فعزمت على الرجوع قبل الجواب، ثم قلت في نفسي كيف تخفى حالك على من عرفك من غير طريق الحواس، فأجبته معتذراً نادماً، ونزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفّة.

فرأيته وحده واقفاً تجاه القبلة ليس لغيره هناك أثر، فعرفت انّه يناجي الغائب عن أبصار البشر عليه سلام الله الملك الأكبر…(17)

 

الهوامش

(16) الصُفّة: الصُفة من البنيان شبه البهو الواسع الطويل السَّمْكِ. (17) البحار 53: 238/ الحكاية الثالثة عشرة. (18) في البحار: (حلاّقاً).

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *