قيمة تفسير الصحابي

مما يجدر التنبه له ان الدور الاول على عهد الرسالة، كان دور تربية وتعليم، ولا سيما بعد الهجرة الى المدينة، كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم قد ركز جل حياته على تربية اصحابه الاجلاء وتعليمهم الاداب والمعارف، والسنن والاحكام وليجعل منهم امة وسطاء ليكونوا شهداء على الناس1، فقد جاء صلى الله عليه وآله وسلم لـ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ2.

ولا شك انه صلى الله عليه وآله وسلم فعل ما كان من شانه ان يفعل و ربى من اصحابه ثلة من علماء ورثوا علمه وحملوا حكمته الى الملأ من الناس.

واذا كان القرآن﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين3، و قد بلغه النبى صلى الله عليه وآله وسلم الى الناس، فقد بين معالمه وارشدهم الى معاني حكمه و معاني آياته، اذ كان عليه البيان كما كان عليه البلاغ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ4.

وهل كان دور النبى صلى الله عليه وآله وسلم في امته، وفي اصحابه الخلص بالخصوص، سوى دور معلم ومرشد حكيم؟ فلقد كان صلى الله عليه وآله وسلم حريصا على تربيتهم وتعليمهم في جميع ابعاد الشريعة، وبيان مفاهيم الاسلام.

هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فان من صحابته الاخيار ـ ممن رضي اللّه عنهم و رضوا عنه ـ من كان على وفرة من الذكاء، طالبا مجدا في طلب العلم والحكمة والرشاد، مولعا بالسؤال والازدياد من معارف الاسلام، وكانوا كثرة من ذوي النباهة والفطنة والاستعداد﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه5، واستقاموا على الطريقة، فسقاهم ربهم﴿مَّاء غَدَقًا6.

قال ابن مسعود: “كان الرجل منا اذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن و العمل بهن”7.

وهو اقدم نص تاريخي يدلنا على مبلغ اهتمام الصحابة بمعرفة معاني القرآن و اجتهادهم في العمل باحكامه.

وهذا الامام امير المؤمنين عليه السلام يقول ـ بشان ما كان يصدر منه من عجائب احكام وغرائب اخبار ـ: “وانما هو تعلم من ذي علم، علم علمه اللّه نبيه فعلمنيه، ودعا لي بان يعيه صدري، وتضطم عليه جوانحي8.

وهذا ابن عباس ـ تلميذه الموفق ـ كان من احرص الناس على تعلم العلم و معرفة الاحكام والحلال والحرام من شريعة الاسلام و كان قد تدارك ـ لشدة حرصه في طلب العلم ـ ما فاته ايام حياة النبى صلى الله عليه وآله وسلم لصغره9 بمراجعة العلماء من صحابته الكبار بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان النبي قد دعا له: “اللهم علمه التاويل وفقهه في الدين، واجعله من اهل الايمان10.

روى الحاكم في المستدرك بشان حرصه على طلب العلم: انه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل من الانصار: هلم، فلنطلب العلم، فان اصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم احياء فقال: عجبا لك ياابن عباس، ترى الناس يحتاجون اليك، و في الناس من اصحاب رسول اللّه من فيهم فاقبل ابن عباس يطلب العلم، قال: ان كان الحديث ليبلغني عن الرجل من اصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قد سمعه منه، فآتيه فاجلس ببابه، فتسفي الريح على وجهي، فيخرج الي فيقول: يا ابن عم رسول اللّه، ما جاء بك، ما حاجتك؟ فاقول: حديث بلغني عنك ترويه عن رسول اللّه، فيقول: الا ارسلت الي؟ آتيك11.

ومن ثم كان يسمى “البحر” لكثرة علمه وعن مجاهد: هو حبر الامة و عن ابن الحنفية: رباني هذه الامة12، الى غيرها من تعابير تنم عن مدى رفعته في درجات العلم.

وقد كان يجلس للتفسير فيقع موضع اعجاب قال ابو وائل: حججت انا و صاحب لي، وابن عباس على الحج، فجعل يقرا سورة النور ويفسرها فقال صاحبي: يا سبحان اللّه، ماذا يخرج من راس هذا الرجل، لو سمعت هذاالترك لاسلمت وفي رواية عن شقيق: ما رايت ولا سمعت كلام رجل مثله، لو سمعته فارس والروم لاسلمت وقال عبد اللّه بن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس13.

قال مسروق بن الاجدع: وجدت اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم كالاخاذ، فالاخاذة تكفي الراكب، والاخاذة تكفي الراكبين، والاخاذة تكفي الفئام من الناس وفي لفظ آخر: لو نزل به اهل الارض لاصدرهم14.

كناية عن انهم كانوا على درجات من العلم، كانوا يصدرون الناس عن روى كان مستقاه ومادته الاولى، هو النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو رباهم وادبهم فاحسن تاديبهم، وان كانوا هم على تفاوت في استعداد الاخذ والتلقي ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا15.

وبعد، فاذ كانت تلك حالة العلماء من اصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لا يصدرون الناس الا عن مصدر الوحي الامين، ولا ينطقون الا عن لسانه الناطق بالحق المبين، فكيف ياترى مبلغ اعتبار ما يصدر عن ثلة، هم حملة علم الرسول، والحفظة على شريعته الامناء؟!

نعم كان الشرط في الحجية والاعتبار اولا: صحة الاسناد اليهم، وثانيا: كونهم من الطراز الاعلى واذ قد ثبت الشرطان، فلا محيص عن جواز الاخذ وصحة الاعتماد، وهذا لا شك فيه بعد الذي نوهنا.

انما الكلام في اعتبار ذلك حديثا مسندا ومرفوعا الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، بالنظر الى كونه الاصل في تربيتهم وتعليمهم، او انه استنباط منهم، لمكان علمهم وسعة اطلاعهم فربما اخطاوا في الاجتهاد، وان كانت اصابتهم في الراي ارجح في النظر الصحيح.

الامر الذي فصل القوم فيه، بين ما اذا كان للراي والنظر مدخل فيه، فهذا موقوف على الصحابي، لا يصح اسناده الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم وما اذا لم يكن كذلك، مما لا سبيل الى العلم به الا عن طريق الوحي، فهو حديث مرفوع الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم لا محالة، و ذلك لموضع عدالة الصحابي ووثاقته في الدين فلا يخبر عما لا طريق للحس اليه، الااذا كان قد اخبره ذو علم عليم صادق امين.

واليك بعض ما ذكره القوم بهذا الشان
قال العلامة الطباطبائي ـ عند تفسير قوله تعالى:﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ16 ـ:.

وفي الاية دلالة على حجية قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم في بيان الايات القرآنية، ويلحق به بيان اهل بيته، لحديث الثقلين المتواتر وغيره واما سائر الامة من الصحابة او التابعين او العلماء، فلا حجية لبيانهم، لعدم شمول الاية وعدم نص معتمد عليه، يعطي حجية بيانهم على الاطلاق.

قال: هذا كله في نفس بيانهم المتلقى بالمشافهة و اما الخبر الحاكي له، فما كان منه بيانا متواترا او محفوفا بقرينة قطعية وما يلحق به، فهو حجة لكونه بيانهم و اما ما لم يكن متواترا ولا محفوفا بالقرينة، فلا حجية فيه، لعدم احراز كونه بيانا لهم.

قال: واما قوله تعالى:﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون17فانه ارشاد الى حكم العقلاء برجوع الجاهل الى العالم، من غير اختصاص بطائفة دون اخرى18.

هل الماثور من الصحابي حديث مسند؟
قال الحاكم النيسابوري: ليعلم طالب هذا العلم ان تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل، عند الشيخين، حديث مسند، اي اذا انتهت سلسلة الرواية الى صحابي جليل، فان ذلك يكفي في اسناد الحديث الى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وان كان الصحابي لم يسنده اليه.

ذكر ذلك في موضعين من مستدركه19، وهو عام سواء اكان ذلك مما لا طريق الى معرفته سوى الوحي ام لم يكن كذلك، وكان مما يمكن ان يراه الصحابي او شاهده بنفسه ومن ثم كان هذا الكلام على عمومه واطلاقه محل اشكال، لذلك رجع عنه في كتابه الذي وصفه لمعرفة علوم الحديث.

قال هناك: ان من الحديث ما يكون موقوفا على الصحابي، غير مرفوع الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، كما اذا قال الصحابي: رايت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يفعل كذا او يامر بكذا، او ان اصحابه كانوا يصنعون كذا، مثل ما روي عن المغيرة بن شعبة، قال: كان اصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقرعون بابه بالاظافير قال الحاكم:هذا حديث يتوهمه من ليس من اهل الصنعة مسندا، لذكر رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وليس بمسند فانه موقوف على صحابي، حكى عن اقرانه من الصحابة فعلا وهكذا اذا قال الصحابي: انه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول كذا، وكان يفعل كذا، وكان يامر بكذا وكذا.

قال: ومن الموقوف ما رويناه عن ابي هريرة، في قول اللّه ـ عز وجل ـ﴿لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَر20 قال: تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة، فلا تترك لحما على عظم الا وضعت على العراقيب.

قال: واشباه هذا من الموقوفات، تعد في تفسير الصحابة21.

قال: فاما ما نقول في تفسير الصحابي، مسند، فانما نقوله في غير هذا النوع، كما في حديث جابر، قال: كانت اليهود تقول: من اتى امراته من دبرها في قبلها جاء الولداحول، فانزل اللّه عز وجل﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ22 قال: هذا الحديث واشباهه مسندة عن آخرها، وليست بموقوفة، فان الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل، فاخبر عن آية من القرآن انها نزلت في كذا وكذا، فانه حديث مسند23.

وهكذا قيد ابن الصلاح والنووي وغيرهما ذاك الاطلاق بما لا يرجع الى معرفة اسباب النزول المشاهدة، ونحو ذلك مما يمكن معرفته للصحابة بالمشاهدة والعيان نعم اذا كان مما لا مجال للراي فيه، مما يعود الى ماوراء الحس من قبيل امر الاخرة ونحو ذلك، فان مثل ذلك حديث مسند، مرفوع الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم نظرا لموضع عدالة الصحابة، وتنزيهه عن القول على اللّه بغير علم، ولا مستند الى ركن وثيق.

قال النووي ـ في التقريب ـ: واما قول من قال: تفسير الصحابي مرفوع، فذاك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية او نحوه، وغير موقوف.

قال السيوطي ـ في شرحه ـ: كقول جابر: كانت اليهود تقول: من اتى امراته من دبرها في قبلها، جاء الولد احول، فانزل اللّه تعالى:﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ رواه مسلم، او نحوه مما لا يمكن ان يؤخذ الا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مدخل للراي فيه.

قال: وكذا يقال في التابعي، الا ان المرفوع من جهته مرسل.

قال: ما خصص به المصنف كابن الصلاح ومن تبعهما قول الحاكم، قد صرح به الحاكم في “علوم الحديث”، ثم ذكر حديث ابي هريرة في قوله تعالى: ﴿لَوَّاحَةٌ  لِّلْبَشَرفالحاكم اطلق في المستدرك وخصص في علوم الحديث، فاعتمد الناس تخصيصه واظن ان ما حمله في المستدرك على التعميم الحرص على جمع الصحيح، حتى اورد ما ليس من شروط المرفوع، والا ففيه من الضرب الاول الجم الغفير على اني اقول: ليس ما ذكره عن ابي هريرة من الموقوف، لما تقدم من ان ما يتعلق بذكر الاخرة وما لا مدخل للراي فيه، من قبيل المرفوع24.

وعلى اية حال، فان التفسير الماثور عن صحابي جليل ـ اذا صح الطريق اليه ـ فان له اعتباره الخاص فاما ان يكون قد اخذه من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الاكثر فيما لا يرجع الى مشاهدات حاضرة او فهم الاوضاع اللغوية الاولى او ما يرجع الى آداب ورسوم جاهلية بائدة، كان الصحابة يعرفونها، واشباه ذلك فان كان لا يرجع الى شي من ذلك، فان من المعلوم بالضرورة انه مستند الى علم تعلمه من ذي علم هذا ما يقتضيه مقام ايمانه الذي يحجزه عن القول الجزاف.

والا فهو موقوف عليه ومستند الى فهمه الخاص، ولا ريب انه اقرب فهما الى معاني القرآن، من الذي ابتعد عن لمس اعتاب الوحي والرسالة، وحتى عن امكان معرفة لغة الاوائل، وعادات كانت جارية حينذاك.

وهكذا صرح العلامة الناقد السيد رضي الدين بن طاووس المتوفى سنة(664) بشان العلماء من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال:”انهم اقرب علما بنزول القرآن25.

قال الامام بدر الدين الزركشي: لطالب التفسير مآخذ كثيرة، امهاتها اربعة

الاول: النقل عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا هو الطراز الاول، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع، فانه كثير.

الثاني: الاخذ بقول الصحابي، فان تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم كما قاله الحاكم في تفسيره وقال ابو الخطاب ـ من الحنابلة ـ: يحتمل ان لا يرجع اليه اذا قلنا: ان قوله ليس بحجة والصواب الاول، لانه من باب الرواية لا الراي.

و قد اخرج ابن جرير عن مسروق بن الاجدع قال: قال عبد اللّه بن مسعود: والذي لا اله الا هو، ما نزلت آية في كتاب اللّه الا وانا اعلم فيمن نزلت واين نزلت، ولو اعلم مكان احد اعلم بكتاب اللّه مني تناله المطايا لاتيته وقال ايضا: كان الرجل منا اذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعلم معانيهن، والعمل بهن.

قال: وصدور المفسرين من الصحابة، علي ثم ابن عباس ـ وهو تجرد لهذا الشان ـ والمحفوظ عنه اكثر من المحفوظ عن علي، الا ان ابن عباس كان اخذ عن علي عليه السلام، ويتلوه عبد اللّه بن عمرو بن العاص وكل ما وردعن غيرهم من الصحابة فحسن مقدم26.

واخيرا قال: واعلم ان القرآن قسمان: احدهما ورد تفسيره بالنقل عمن يعتبر تفسيره، وقسم لم يرد والاول ثلاثة انواع: اما ان يرد التفسير عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم او عن الصحابة، او عن رؤوس التابعين فالاول: يبحث فيه عن صحة السند والثاني: ينظر في تفسير الصحابي، فان فسره من حيث اللغة، فهم اهل اللسان، فلا شك في اعتمادهم، وان فسره بما شاهده من الاسباب والقرائن فلا شك فيه وحينئذ ان تعارضت اقوال جماعة من الصحابة، فان امكن الجمع فذاك، وان تعذر قدم ابن عباس27.

وسياتي نقل كلامه في الرجوع الى التابعي.

هذا ما يقتضيه ظاهر البحث في هذا المجال واما الذي جرى عليه مذهب علمائنا الاعلام، فهو: ان التفسيرالماثور من الصحابي ـ مهما كان على جلالة من القدر والمنزلة ـ فانه موقوف عليه، لا يصح اسناده الى النبى صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يسنده هو بالذات وهذا منهم مطلق، سواء اكان للراي فيه مدخل ام لا، لانه انما نطق عن علمه، حتى ولو كان مصدره التعليم من النبي، ما لم يصرح به، اذ من الجائز انه من استنباطه الخاص، استخرجه من مبان واصول تلقاها من حضرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اما التنصيص على هذا الفرع المستنبط بالذات فلم يكن من النبي، وانما هو من اجتهاد الصحابي الجليل، ومرتب طمع مبلغ فطنته وسعة دائرة علمه، والمجتهد قد يخطا، وليس الصواب حليفه دائما، ما لم يكن معصوما.

ومن ثم فان الذي يصدر من ائمتنا المعصومين عليهم السلام نسنده اليهم، وان كنا على علم ويقين انه تعلم من ذي علم عليم، ذلك انه حجة لدينا، لانه صادر من منبع معصوم.

ميزات تفسير الصحابي
يمتاز تفسير الصحابي بامور خمسة لم تتوفر جميعا في سائر التفاسير المتاخرة.

اولا: بساطته، بما لم يتجاوز بضع كلمات في حل معضل او رفع ابهام، في بيان واف شاف ومع كمال الايجاز والايفاء فاذا سئل احدهم عن معنى ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ28، اجاب على الفور: “غير متعرض لمعصية”، من غير ان يتعرض لاشتقاق الكلمة، او يحتاج الى بيان شاهد ودليل، وما شاكل ذلك، مما اعتاده المفسرون و اذا سئل عن سبب نزول آية، او عن فحواها العام، اجاب بشكل قاطع من غير ترديد، وعلى بساطة من غير تعقيد، كان قد الفه المتاخرون.

ثانيا: سلامته عن جدل الاختلاف، بعد وحدة المبنى والاتجاه والاستناد، ذلك العهد، اذ لم يكن بين الصحابة في العهد الاول اختلاف في مباني الاختيار، ولا تباين في الاتجاه، ولا تضارب في الاستناد، وانما هي وحدة في النظر والاتجاه والهدف، جمعت طوائف الصحابة على خط مستو مستقيم فلم تكن ثمة داعية لنشوء الاختلاف والتضارب في الاراء، ولا سيما والرسول صلى الله عليه وآله وسلم ادبهم على التزام سبيل الرشاد.

على ان التفسير ذلك العهد لم يكن ليتعد ـ في شكله وهندامه ـ حدود الحديث وشكله، بل كان جزأ منه وفرعا من فروعه، كما داب عليه جامعوا الاحاديث.

ثالثا: صيانته عن التفسير بالراي، بمعنى الاستبداد بالراي غير المستند الى ركن وثيق، ذلك تعصب اعمى او تلبيس في الامر، كان يتحاشاه الاجلاء من الصحابة الاخيار.

رابعا
: خلوصه عن اساطير بائدة، ومنها الاقاصيص الاسرائيلية، لم تكن لتجد مجالا للتسرب في الاوساط الاسلامية العريقة، ذلك العهد المناوئ لدسائس اسرائيل، الامر الذي انقلب ظهرا لبطن بعد حين، وجعلت الدسائس السياسية تلعب دورهافي ترويج اساطير بني اسرائيل.

خامساً: قاطعيته عن معروضة احتمال الشك وتحمل الظنون، بعد وضوح المستند وصراحته، ووفرة وسائل الإيضاح ودلائل التفسير المعروضة ذلك العهد، لسذاجتها وسلامتها عن التعقيد الذي طرأ عليها في عهد متأخر.

لا سيما والدلائل العلمية والفلسفية التي استند إليها المتأخرون في تفسير معاني القرآن، لم تكن معهودة حينذاك، أو لم تكن مشروعة، ولا صالحة للاستناد في العهد الأول. وإنما كان استنادهم إلى العرف واللغة، والعلم بأسباب النزول، إلى جنب النصوص الشرعية الصادرة في مختلف شؤون الدين والقرآن، هذا لا غير.

*التفسير والمفسرون في ثوبه الثقيب، الشيخ محمد هادي عرفة، من منشورات الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، ط1، ص297-309.


1- من الآية رقم 143 من سورة البقرة
2- الجمعة: 2.
3- النحل: 89.
4- النحل: 44.
5- الاحزاب: 23.
6- الجن: 16.
7- تفسير الطبري، ج1، ص 27 و 30.
8- نهج البلاغة، خ128، ص 186(ص ص ).
9- ولد قبل الهجرة بثلاث سنين.
10- اخرجه الحاكم و صححه المستدرك، ج3، ص 536.
11- المستدرك، ج3، ص 538.
12- المصدر نفسه، ص 535.
13- المستدرك، ج3، ص 537.
14- التفسير و المفسرون، ج1، ص 36.
15- الرعد:17.
16- النحل: 44.
17- النحل: 43.
18- الميزان، ج12 (ط اسلامية )، ص 278.
19- المستدرك، ج2، ص 258، و في ص 263 ايضا.
20- المدثر:29.
21- بناء على ان هذا التفسير من ابي هريرة كان من عنده، ولعله استظهارا من لفظ الاية سياتي عن السيوطي انه مما لا سبيل الى معرفته سوى الوحي، فهو من المسند المرفوع الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
22- البقرة: 223.
23- معرفة علوم الحديث ص 19 ـ 20.
24- تدريب الراوي، ج1 ص 193 ( ط 2 ـ 1399ه).
25- في كتابه القيم ( سعد السعود ) الذي عالج فيه نقد اكثر من سبعين كتابا في تفسير القرآن، كانت في متناوله ذلك العهد ( ط نجف ) ص 174.
26- البرهان، ج2، ص 156 ـ 157.
27- البرهان، ج2، ص 172.
28- المائدة:3.

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *