المعجزة لثانية: حكاية الحسين بن حمدان

المعجزة لثانية: (حكاية الحسين بن حمدان):

روى القطب الراوندي عن أبي الحسن المسترق الضرير انّه قال: كنت يوماً في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية.

قال: كنت أزري(28) عليها إلى أن حضرت مجلس عمّي الحسين يوماً، فأخذت أتكلّم في ذلك، فقال: يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت لولاية قم حين استصعبت على السلطان، وكان كلّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلّم إليّ جيش وخرجت نحوها.

فلمّا بلغت إلى ناحية طزر خرجت إلى الصيد، ففاتتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في أثرها حتى بلغت إلى نهر فسرت فيه وكلّما اسير يتّسع النهر، فبينما أنا كذلك إذا طلع عليّ فارس تحته شهباء، وهو متعمّم بعمامة خز خضراء لا أرى منه الاّ عينيه، وفي رجليه خفّان أحمران.

فقال لي: يا حسين، فلا هو أمّرني ولا كنّاني، فقلت: ماذا تريد؟ قال: لم تزري على الناحية؟ ولم تمنع أصحابي خمس مالك؟ وكنتُ الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً، فأرعدت منه وتهيّبت وقلت له: أفعل يا سيدي ما تأمر به، فقال: إذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجّه إليه فدخلته عفواً وكسبت ما كسبته، تحمل خمسة إلى مستحقّه، فقلت: السمع والطاعة.

فقال: امض راشداً، ولوى عنان دابّته وانصرف، فلم أدر أيّ طريق سلك، وطلبته يميناً وشمالاً فخفي عليّ أمره وازددت رعباً، وانكفأت راجعاً إلى عسكري وتناسيت الحديث، فلمّا بلغت قم وعندي انّي أريد محاربة القوم، خرج إليّ أهلها وقالوا: كنّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا، فأما إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ادخل البلدة فدبّرها كما ترى.

فأقمت فيها زماناً وكسبت أموالاً زائدة على ما كنت أقدّر، ثم وشى القوّاد بي إلى السلطان وحسدت على طول مقامي وكثرة ما اكتسبت، فعزلت ورجعت إلى بغداد، فابتدأت بدار السلطان وسلّمت عليه وأتيت إلى منزلي، وجاءني فيمن جاءني محمّد بن عثمان العمري، فتخطّى الناس حتى اتكأ على تكأتي، فاغتظت من ذلك ولم يزل قاعداً ما يبرح والناس داخلون وخارجون وأنا أزداد غيظاً.

فلمّا تصرّم الناس وخلا المجلس دنا إليّ وقال: بيني وبينك سرّ فاسمعه، فقلت: قل، فقال: صاحب الشهباء والنهر يقول: قد وفينا بما وعدنا، فذكرت الحديث وارتعت من ذلك وقلت: السمع والطاعة، فقمت فأخذت بيده ففتحت الخزائن، فلم يزل يخمّسها إلى أن خمس شيئاً كنت قد اُنسيته ممّا كنت قد جمعته، وانصرف ولم أشك بعد ذلك وتحققت الأمر.

فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك.(29)

 

الهوامش

(28) أي أعيب واستهزء. (29) الخرائج 1: 472/ ح 17، عنه البحار 52: 56/ ح 40.

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *