الخامسة عشرة: الحسن بن وجناء ورؤية الحجة عليه السلام

 وروي أيضاً عن أبي محمد الحسن بن وجناء انّه قال: كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجة بعد العمرة، وأنا أتضرّع في الدعاء إذ حرّكني محرك فقال لي: قم يا حسن بن وجناء فرعشت.

قال: فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن أقول إنّها من بنات أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي وأنا لا أسألها عن شيء حتى أتت دار خديجة عليها السلام، وفيها بيت بابه في وسط الحائط وله درج ساج يرتقى إليه، فصعدت الجارية وجاءني النداء: اصعد يا حسن.

فصعدت فوقفت بالباب، فقال لي صاحب الزمان عليه السلام: يا حسن أتراك خفيت عليّ، والله ما من وقت في حجّك إلاّ وأنا معك فيه، ثم جعل يعدّ عليّ أوقاتي فوقعت على وجهي، فحسست بيد قد وقعت عليّ فقمت: فقال لي: يا حسن إلزم بالمدينة دار جعفر بن محمّد عليه السلام، ولا يهمّنّك طعامك ولا شرابك ولا ما تستر به عورتك.

ثم دفع إليّ دفتراً فيه دعاء الفرج وصلاة عليه وقال: بهذا فادع، وهكذا فصلّ عليّ، ولا تعطه إلاّ أوليائي فانّ الله عز وجل يوفقك، فقلت: يا مولاي لا أراك بعدها؟ فقال: يا حسن إذا شاء الله تعالى.

قال: فانصرفت من حجّتي، ولزمت دار جعفر عليه السلام وأنا لا أخرج منها ولا أعود إليها إلاّ لثلاث خصال: إلاّ لتجديد الوضوء، أو النوم، أو لوقت الإفطار، فإذا دخلت بيتي وقت الإفطار فأصيب وعائي مملوءاً دقيقاً على رأسه، عليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقف الصيف، وانّي لا أدخل الماء بالنهار وأرش به البيت، وادع الكوز فارغاً وآتي بالطعام ولا حاجة لي إليه، فأتصدّق لئلاّ يعلم به من معي.(18)

يقول المؤلف:

قال شيخنا في النجم الثاقب: انّ أحد ألقاب الإمام عليه السلام: (مبدي الآيات) أي مُظهِر آيات الله أو محلّ ظهور آيات الله، وذلك انّ الله تعالى لما جعل الخلافة في الأرض، وأرسل الرسل والأنبياء بالآيات والبيّنات والمعاجز الباهرة لهداية الخلق وإرشادهم، وإعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل، لم يكرم أو يعزّ أحداً مثلما أكرم وأعزّ المهدي صلوات الله عليه، ولم يُظهِر من الآيات والمعاجز مثلما أظهر على يده المباركة عليه السلام، فقد أعطاه عمراً طويلاً _ وهو أعلم بانتهائه _ وإذا ظهر يكون على هيئة رجل يناهز الثلاثين من العمر، وعلى رأسه غمامة بيضاء تضلّه، وينادي منادٍ بلسان فصيح منها: هذا مهديّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

وانّه عليه السلام يضع يده على رأس شيعته فيكمل عقولهم، ومعه عسكر من الملائكة ظاهرين يراهم الناس كما كان في عهد إدريس النبي عليه السلام، ومعه أيضاً عسكر من الجن، ولم يكن في عسكره عليه السلام طعام ولا شراب إلاّ حجر يحمل معهم يتقوّتون منه.(19)

وتُضاء الأرض بنوره عليه السلام حتى يُستغنى عن ضوء الشمس والقمر، ويذهب الشرّ والأذى من الحيوانات والحشرات، ويذهب الخوف والعداوة من بينها، وتظهر الأرض كنوزها، ويُبطئ سير الأرض، ويمشي عسكره عليه السلام على الماء، ويدلّ الحجر على الكافر الذي اختفى وراءه، ويعرفون بسيمائهم، ويحضر معه عليه السلام جمع من الأموات بعد إحيائهم يقاتلون بين يديه، وغيرها من الآيات الباهرة، مضافاً إلى المعاجز الحادثة قبل الظهور والتي لا يمكن إحصاؤها، وقد دُوّن الكثير منها في كُتب الغيبة، فإنّها جميعها تكون علامة ظهوره، ولم يحصل عشر معشار هذه كلّها لغيره من الحجج.

الهوامش

(18) الثاقب في المناقب: 612/ ح 558/ فصل 5. (19) النجم الثاقب: 112 و120.

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *