في أسماء وألقاب الإمام المهدي ع

وأمّا اسماؤه وألقابه الشريفة؛ فاعلم انّ شيخنا المرحوم ثقة الإسلام النوري (رحمه الله) ذكر في كتابه (النجم الثاقب)(28) اثنين وثمانين ومائة اسم له عليه السلام، ونكتفي هنا بذكر بعضها:

الأوّل: بقية الله؛ فقد روي انّه عليه السلام إذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأوّل ما ينطق به هذه الآية:

(بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ…).(29)

ثم يقول: أنا بقية الله في أرضه، وخليفته وحجته عليكم، فلا يسلّم عليه مسلّم الاّ قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه.(30)

الثاني: الحجة؛ وهذا اللقب من ألقابه الشائعة، الوارد كثيراً في الأدعية والأخبار، وذكره أكثر المحدثين، وهذا اللقب مع انّه مشترك بين سائر الأئمّة عليهم السلام _ فانّهم حجج الله على خلقه _ لكنّه اختص به عليه السلام بحيث لو ذكر بدون قرينة لكان المقصود هو لا غيره، وقيل: انّ لقبه عليه السلام (حجة الله) بمعنى غلبة الله أو سلطته على خلقه؛ لانّ كليهما يتحققان عند ظهوره عجل الله فرجه.

ونقش خاتمه عليه السلام: (أنا حجة الله).

الثالث: الخلف والخلف الصالح؛ ذُكر هذا اللقب على ألسنتهم عليهم السلام كثيراً، والمراد من الخلف الذي يقوم مقام غيره، فهو عليه السلام خلف جميع الأنبياء والأوصياء، ووارث جميع صفاتهم وعلومهم وخصائصهم، وسائر مواريث الله التي كانت لديهم.

وذُكر في حديث اللوح المعروف الذي رآه جابر عند فاطمة الزهراء عليها السلام بعد ذكر الإمام الحسن العسكري عليه السلام انّه: (… ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب،…).(31)

وجاء في رواية المفضّل المشهورة انّ الإمام عليه السلام حينما يظهر يدخل الكعبة، ثم يسند ظهره إليها ويقول: (يا معشر الخلائق ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنا ذا آدم وشيث…).(32)

ثم يذكر عليه السلام على هذا النسق سائر الأنبياء من نوح وسام وإبراهيم وإسماعيل وموسى ويوشع وشمعون ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأئمة عليهم السلام.

الرابع: الشريد؛ ذكر الأئمة عليهم السلام هذا اللقب كثيراً لاسيما أمير المؤمنين والإمام الباقر عليهما السلام، والشريد بمعنى الطريد من قبل هؤلاء الناس الذين ما رعوه حقّ رعايته، وما عرفوا قدره وحقّه عليه السلام، ولم يشكروا هذه النعمة بل سعى الأوائل بعد اليأس من الظفر به والقضاء عليه إلى قتل وقمع الذريّة الطاهرة لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وسعى أخلافهم إلى إنكاره ونفي وجوده باللسان والقلم، وأقاموا الأدلّة والبراهين على نفي ولادته ومحو ذكره.

وقد قال هو عليه السلام لإبراهيم بن عليّ بن مهزيار: (انّ أبي صلوات الله عليه عهد إليّ أن لا أوطّن من الأرض الاّ أخفاها وأقصاها، إسراراً لأمري وتحصيناً لمحلّي من مكائد أهل الضلال والمردة _ إلى أن قال: _ فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض وتتبعّ أقاصيها، فانّ لكلّ وليّ من أولياء الله عز وجل عدوّاً مقارناً وضدّاً منازعاً…).(33)

الخامس: الغريم؛ وهو من ألقابه الخاصة، ويُطلق عليه عليه السلام في الأخبار كثيراً، والغريم بمعنى الدائن والمقرض، ويستعمل بمعنى المدين والمقروض أيضاً، والمراد هنا المعنى الأوّل على الأظهر، ويستعمل هذا اللقب تقيّة كما يستعمل لقب الغلام له عليه السلام، فكان الشيعة يطلقون هذا اللقب عليه إذا أرادوا ارسال الأموال إليه أو إلى أحد وكلائه، وكذا حينما يوصون بشيء له أو يريدون أخذ المال له من الغير، لأنّه عليه السلام كان له أموال في ذمّة الزرّاع والتجّار وأرباب الحرف والصناعات.

وقال العلامة المجلس (رحمه الله): يحتمل أن يكون المراد من الغريم هو المعنى الثاني أي المدين، وذلك لتشابه حاله عليه السلام مع حال المديون الذي يفرّ من الناس مخافة أن يطالبوه، أو بمعنى انّ الناس يطلبونه عليه السلام لأجل أخذ الشرايع والأحكام وهو يفرّ عنهم تقيّة، فهو الغريم المستتر صلوات الله عليه.

السادس: القائم؛ أي القائم في أمر الله؛ لأنّه ينتظر أمره تعالى ويرتقب الظهور ليلاً ونهاراً.

وقد روي انّه عليه السلام سمّي بالقائم لقيامه بالحق،(34) وفي رواية الصقر بن دلف انّه قال لأبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام: … يا ابن رسول الله ولِمَ سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.(35)

وروي عن أبي حمزة الثمالي انّه قال: سألت الباقر صلوات الله عليه: يا ابن رسول الله ألستم كلّكم قائمين بالحق؟ قال: بلى، قلت: فَلِمَ سمّي القائم قائماً؟

قال: لما قتل جدي الحسين صلوات الله عليه ضجّت الملائكة إلى الله عز وجل بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيدنا أتغفل عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك، وخيرتك وابن خيرتك من خلقك، فأوحى الله عز وجل إليهم: قرّوا ملائكتي فوعزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين، ثم كشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين عليهم السلام للملائكة، فسرّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال الله عز وجل: بذلك القائم أنتقم منهم.(36

يقول المؤلف: سيأتي في الفصل السادس كلام حول استحباب القيام عند ذكر هذا الاسم المبارك تعظيماً له.

السابع: مُ حَ مَّ دْ؛ صلى الله عليه وعلى آبائه وأهل بيته، وهو اسمه الذي سمّي به، كما ورد في الأخبار الكثيرة المتواترة من طرق الخاصة والعامة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال: (المهدي من ولدي اسمه اسمي).(37)

وجاء اسمه عليه السلام في حديث اللوح المستفيض بهذا الشكل: (أبو القاسم محمّد بن الحسن هو حجة الله القائم).

ولكن لا يخفى انّ مقتضى الأخبار الكثيرة المعتبرة حرمة ذكر هذا الاسم الشريف في المحافل والمجالس إلى أن يظهر عليه السلام، وهذا الحكم من خصائصه عليه السلام ومن المسلّمات عند الإمامية والفقهاء والمتكلّمين والمحدّثين، بل يظهر من كلام الشيخ الأقدم الحسن بن موسى النوبختي انّ هذا الحكم من خصائص مذهب الإماميّة، ولم ينقل عنهم خلاف ذلك إلى زمن الخواجة نصير الدين الطوسي الذي قال بالجواز، ثم لم ينقل خلافه بعد ذلك الاّ من صاحب كشف الغمّة.

وصارت هذه المسألة في زمن الشيخ البهائي مطرحاً للبحث والنقاش بين الفضلاء والعلماء، فكتبوا كتباً ورسائل حولها، منها (شرعة التسمية) للمحقق الداماد ورسالة (تحريم التسمية) للشيخ سليمان الماحوزي و(كشف التعمية) لشيخنا الحر العاملي رضوان الله عليهم وغير ذلك، وتفصيل الكلام مذكور في كتاب (النجم الثاقب).

الثامن: المهدي صلوات الله عليه؛ من أشهر أسمائه وألقابه عند جميع الفرق الإسلامية.

التاسع: المنتظَر؛ أي الذي يُنتظر، حيث انّ جميع الخلائق تنتظر قدوم طلعته البهيّة.

العاشر: المآء المعين؛ روي في كمال الدين وغيبة الشيخ عن الإمام الباقر عليه السلام انّه قال في قول الله عز وجل:

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).(38)

فقال: هذه نزلت في القائم، يقول: إن أصبح إمامكم غائباً عنكم لا تدرون أين هو، فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض، وحلال الله جلّ وعزّ وحرامه، ثم قال: والله ما جاء تأويل الآية ولا بدّ أن يجيء تأويلها.(39)

وهناك عدة أخبار بهذا المضمون فيها، وكذا في الغيبة للنعماني وتأويل الآيات، ووجه تشبيهه عليه السلام بالماء باعتباره سبباً لحياة كل ظاهر، بل انّ تلك الحياة قد وجدت وتوجد بسبب وجوده المعظم بمراتب أعلى وأتم وأدوم من الحياة التي يوجدها الماء، بل انّ حياة نفس الماء من وجوده عليه السلام.

وقد روي في كمال الدين عن الإمام الباقر عليه السلام انّه قال في قول الله عز وجل: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)،(40) قال: يحييها الله عز وجل بالقائم بعد موتها، يعني بموتها كفر أهلها والكافر ميّت.(41)

وعلى رواية الشيخ الطوسي انّه يصلح الأرض بقائم آل محمّد من بعد موتها، يعني من بعد جور أهل مملكتها.(42)

ولا يخفى أنّ الناس ينتفعون من هذه العين الربانيّة الفيّاضة في أيام ظهوره؛ كالعطشان الذي يرى نهراً عذباً فلا همّ له سوى الاغتراف منه، فلذا سمّي عليه السلام بالماء المعين، واما في الغيبة حيث انقطع عن الناس اللطف الإلهي الخاص لسوء أفعالهم وأعمالهم، فلا بدّ من التعب والمشقة والدعاء والتضرّع لتحصيل الفيض منه عليه السلام ؛ كالعطشان الذي يريد إخراج الماء من بئر عميق بواسطة الوسائل القديمة والمتعبة، فلذا قيل له عليه السلام البئر المعطّلة، ولا يسع المقام أكثر من هذا الشرح.

 

الهوامش

(28) النجم الثاقب، الباب الثاني. (29) هود: 86. (30) كمال الدين 1: 331/ ضمن حديث 16/ باب 32. (31) الكافي 1: 528؛ كمال الدين 1: 310/ ح 1/ باب 28. (32) البحار 53: 9. (33) البحار 52: 34، ضمن حديث 28. (34) الإرشاد: 364، عنه البحار 51: 30/ ح 7. (35) كمال الدين: 378/ ح 3؛ البحار 51: 30/ 4. (36) دلائل الإمامة: 452؛ البحار 51: 28/ ح 1. (37) البحار 51: 72، ضمن حديث 13. (38) الملك: 30. (39) كمال الدين 1: 325/ ح 3؛ والغيبة للطوسي: 101؛ عنهما البحار 51: 52/ ح 27. (40) الحديد: 17. (41) البحار 51: 54/ ح 37، عن كمال الدين: 668/ ح 13. (42) الغيبة: 110. 

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *