النائب الرابع: عليّ بن محمّد سمري

الرابع: من الوكلاء والسفراء الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمد السَمُريّ، فانّ الشيخ الحسين بن روح عليه الرحمة لما حضرته الوفاة جعله مقامه بأمر الحجة عليه السلام، فكان الإمام عليه السلام يجري على يده الكرامات والمعاجز وأجوبة مسائل الشيعة، وكانوا يسلّمون الأموال والحقوق إليه بأمره عليه السلام، فلمّا حضرته الوفاة اجتمع الشيعة عنده وطلبوا منه أن يعيّن من يقوم مقامه في السفارة، فقال: لله أمر هو بالغه، أي لا بدّ من وقوع الغيبة الكبرى.

وفي رواية الشيخ الصدوق عليه الرحمة: انّ الشيخ أبا الحسن السمري لمّا حضرته الوفاة اجتمع عنده الشيعة، فقالوا: من يكون الوكيل بعدك وأيّ شخص يقوم مقامك؟ فقال: انّي لم أؤمر بأن أوصّي إلى أحد بعدي في هذا الشأن.

وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة والشيخ الصدوق في كمال الدين، انّه لمّا دنت وفاة الشيخ أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري خرج توقيع إلى الناس:

(بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فانّك ميّت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور الاّ بعد إذن الله، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة الاّ بالله العليّ العظيم).

قال الراوي: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه.(28)

ونُقل أيضاً عن كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق انّ أبا الحسن السمري توفي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة(29) من الهجرة، فيكون على هذا مدّة الغيبة الصغرى التي كان الوكلاء والسفراء والنوّاب مأمورين بها من قبل الإمام عليه السلام حوالي (74) عاماً، مضت حوالي (48) عاماً منها في سفارة عثمان بن سعيد العمري وابنه محمّد بن عثمان، ومضت حوالي (26) عاماً منها في سفارة الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح والشيخ أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري، ثم انقطعت السفارة ووقعت الغيبة الكبرى، فمن ادعى بعدها السفارة والنيابة الخاصة، أو ادعى المشاهدة مع هذه الدعوى فهو كذّاب مفتر على الحجة عليه السلام.

فيكون المرجع في الدين والشرائع العلماء والفقهاء والمجتهدين بأمر الإمام عليه السلام، فانّ النيابة ثابتة لهم على سبيل العموم، كما ورد في التوقيع الشريف لما سئل إسحاق بن يعقوب _ من أجلة وأخيار الشيعة وحملة الأخبار _ الذي أوصلها إلى الحجة عليه السلام بواسطة محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، فسأل مسائل، فأجاب عليه السلام عليها، فقال في جملتها:

(وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله عليهم).(30)

وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام انّه قال:

(انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حكماً، فانّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما بحكم الله استخفّ، وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادٌّ على الله وهو في حدّ الشرك بالله).(31)

وفي رواية أخرى:

(مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه).(32)

فالمستفاد من أوامر هذين الإمامين عليهما السلام انّ المكلّفين لا بدّ لهم من الرجوع إلى العلماء، وحفظة العلوم والأخبار وآثار الأئمّة الأطهار عليهم السلام، العارفين بالأحكام الصادرة منهم بالنظر والاستنباط والعقل والتدبّر، ولا بدّ للمكلّفين أن يأخذوا مسائل الحلال والحرام منهم، ويرجعوا في قطع المنازعات إليهم، وكلّ ما يقولونه هو حجة عليهم؛ لأنهم جمعوا شرائط الفتوى من قوة الاستنباط إلى العدالة والبلوغ والعقل وسائر شرائط الاجتهاد، ولهم النيابة العامّة، فالناس مكلّفون بالرجوع إليهم اضطراراً، لعدم تعيين نائب مخصوص في زمن الغيبة الكبرى، بل حُكِمَ بانقطاع النيابة الخاصة والسفارة. (انتهى).

 

الهوامش

(28) كتاب الغيبة: 242، باختلاف يسير، عنه البحار 51: 360/ ح 7؛ وكمال الدين 2: 516/ ح 44/ باب 45. (29) راجع كمال الدين 2: 503/ ضمن حديث 32/ وفيه سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة؛ وفي البحار وغيبة الطوسي ما أثبتاه. (30) كمال الدين، ج 2، ص 484، ضمن حديث 4، باب 45. (31) الكافي 7: 412/ ح 5/ عن الإمام الصادق عليه السلام. (32) تحف العقول: 238.

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *